آخر الأخبار

مصير الشمس في ضوء القرآن


صورة تخيلية للشمس عندما تصبح عملاقا أحمر
لتبيد كل ما على وجه الأرض.
د. محمد دودح
طبيب وباحث في الاعجاز القرآني
عرض القرآن الكريم لأهوال نهاية العالم في صور بيانية تعكس الحقيقة بتلطف؛ والتي بالكاد أوشكت أن تدركها الفيزياء الفلكية اليوم، وفي قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾ [الرحمن: 37]، المعنى المتبادر أن يُفْسِح جو الأرض والمعهود بالزرقة حين يبدأ في التفسخ والتلاشي عن كتلة حمراء ضخمة ملتهبة تتأجج وتغطي معظم السماء بدلا عن الشمس؛ أشبه في اللون والتضخم بوردة حمراء تتفتح، وفي الالتهاب والسيولة واللمعان والتموج بزيت الدهان وهو يتأجج على النار، ونطالع في التصورات العلمية المتوقعة لمصير الشمس؛ أنها ليست من الضخامة بحيث تنتهي إلى ما يسمى فيزيائيًّا ثقب أسود Black Hole، أو إلى ما يُسمى نجم نيوتروني Neutron Star؛ وإنما تنتفخ وتتحول إلى عملاق أحمر Red Giant من شدة الحرارة، يبلغ قطره من 15 إلى 45 مرة مثل قطر الشمس حاليًّا، ويعادل لمعانه حوالي مائة مرة أو أكثر مثل لمعان الشمس، ويبتلع في طريقه ما يجاوره، والحد الذي يُحدد مصير النجم بعد انفجاره قيمته 1.4 قدر كتلة الشمس (حد تشاندراسيخار)، يتحول النجم دونه لقزم أبيض؛ وهذا هو حال الشمس، وفي المقابل يعرض القرآن الكريم لمشاهد تُكْمِل الصورة؛ كإبادة الكواكب وجمع الشمس والقمر وانشقاق الجو لينفتح المشهد على عملاق أحمر ينتفخ من شدة الانفجار ويدفع بألسنة النار في كل صوب مثل وردة حمراء تتفتح أوراقها؛ وكزيت الدهان يتأجج ناثرًا قطرات حارقة، وتقترب الشمس فتطال الأرض وتصهِر كل ما عليها.
صورة تخيلية للشمس في الأعلى عندما تتفجر
وتصبح عملاقا أحمر ووردة حمراء في الأسفل.
وتنفجر الأرض وتطرح ما فيها من أثقال وتتخلى عن كل ما عليها، وتُمحى كل مظاهر الحياة، ولا وجود حينئذ لبشر يُشاهد، فخلى الوصف من المُشَاهد، وفي الختام تنكمش الشمس وتُطوى كلفافة وتُكَوَّر لتصبح قزمًا أبيض White Dwarf ثم تموت، ويمنح السياق فسحة كبيرة لتتصور المخيلة ما لم تُصَرِّح به الكلمات من مشاهد القدرة المفزعة؛ التي أحالت كل العالم خراب!.
وقبل اكتشاف علم الفيزياء الفلكية حديثًا لحياة النجوم ومصيرها خاصة الشمس؛ بذل المفسرون الأعلام الفضلاء (رحمهم الله تعالى جميعًا) غاية جهدهم في تصور تفاصيل حدث رهيب لم يألفه بشر، فانتزعوا وُجُوهًا تكاد تُنَاظر تصور الفيزياء، ويؤخذ من كلامهم الأشبه بالاتفاق ما يعني تحول مشهد السماء المحيطة بالأرض إلى الحمرة والتموج كالزيت من شدة الحرارة، قال المراغي: "{ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ } (سورة الرحمن 37) أي.. احمرَّ لونها وأذيبت حتى صارت كأنها الزيت"، وقال الخطيب: "هذه السماء التي تبدو في لونها الأزرق؛ تأخذ.. لونا ورديا.. أحمر..، و(كالدهان).. هو الشحم حين يُصْهَر". وقال ابن عاشور: "(فَكانَتْ وَرْدَةً) تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ؛ أَيْ كَانَتْ كَوَرْدَةٍ، وَالْوَرْدَةُ وَاحِدَةُ الْوَرْدِ، وَهُوَ زَهْرٌ أَحْمَرُ.. مَشْهُورٌ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ.. شِدَّةُ الْحُمْرَةِ"، "حِينَ يَنْفَتِحُ بِرْعُومُهَا"، "أَيْ يَتَغَيَّرُ لَوْنُ السَّمَاءِ.. فَيَصِيرُ لَوْنُهَا أَحْمَرَ.. "و(الدِّهَانُ).. الزَّيْتِ..؛ تَشْبِيهٌ.. فِي التَّمَوُّجِ وَالْاِضْطِرَابِ". وقال محيي الدين درويش: "التشبيه تمثيلي.. مُرَكَّب.. من.. صورة السماء منشقة، وصورة الوردة، ثم صورة الدهان.. عملت فيه النار فاشتعل"، وقال القاسمي: "أي كلون الورد الأحمر، و كالدهن.. في.. ذوبانه". وقال أسعد حومد: "تَتَصَدَّعُ.. وَيَحْمَرُّ لوْنُها وَتَذُوبُ حَتَّى لَتَصِيرُ وَكَأنَّها الزَّيتُ المُحْتَرِقُ". وقال الزحيلي: "تبددت وصارت كوردة حمراء وذابت". وقال الشنقيطي: "قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّهَا يَصِلُ إِلَيْهَا حُرُّ النَّارِ فَتَحْمَرُّ مِنْ شِدَّةِ الْحَرَارَةِ..، وتَذُوبُ وَتَصِيرُ مَائِعَةً، وهذا قَدْ أَوْضَحَهُ اللَّهُ.. فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ } (سورة المعارج 8)، وَالْمُهْلُ شَيْءٌ ذَائِبٌ..؛ يُشْبِهُ الْمَاءَ شَدِيدُ الْحَرَارَةِ..، كما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ } (سورة الكهف 29)"، "أَمَّا تَشَقُّقُ السَّمَاءِ.. فَقَدْ بَيَّنَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ.. كَقَوْلِهِ تَعَالَى..: { وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } (سورة الحاقة 16)، وَقَوْلِهِ: { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } (سورة الِانْشقاق 1)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ } (سورة المرسلات 9)، فَقَوْلُهُ فُرِجَتْ: أَيْ شُقَّتْ، فَكَانَ فِيهَا فُرُوجٌ؛ أَيْ شُقُوقٌ كَقَوْلِه.. تَعَالَى: { وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا } (سورة النبأ 19)"؛ وفيها قرائن على أن السماء المقصودة كانت في الدنيا سقفا محفوظا يحجز بقوة أخطارًا علوية، فتشققت وانشقت وفُرِجَت وصارت أبوابًا ومنافذ لتلك الأخطار، وأصبحت واهية عن دفعها؛ فيستقيم حمل انشقاق السماء على تبدد الجو المحيط بالأرض، قال أحمد حطيبة: "{ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ } (سورة التكوير 11)؛ أي تكشط.. وتزول". وقال سيد قطب: "(وردة كالدهان) وردة حمراء سائلة كالدهان.. والآيات التي وردت في صفة الكون حينئذٍ تشير كلها إلى وقوع دمار كامل..، منها{ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا } (سورة الواقعة 4 - 6)..، { فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } (سورة القيامة 7 - 9)..، { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } (سورة التكوير 1)..،{ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } (سورة الِانْشقاق 1 - 4)، "فهذه الآيات كلها تنبئ بأن نهاية عالمنا هذا ستكون.. مُرَوِّعَة".
وهكذا ضُرِبَت بالقرآن الأمثال في سالف الزمان من البيئة العربية مهبط الوحي، ولا يغيب التَلَطُّف في البيان لحقائق علمية كشفت معناها الأيام؛ تصديقًا لقوله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ. وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: 87-88]، وقوله تعالى: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: 67]، وقوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ [النمل: 93]، وتَحَقَّق وعد مؤكد؛ قد أوضح مجاله العلمي قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53]. 

 


المراجع:
(1) تفسير المراغي. (2) تفسير الخطيب. (3) تفسير ابن عاشور. (4) تفسير محيي الدين درويش. (5) تفسير القاسمي. (6) تفسير أسعد حومد. (7) تفسير الزحيلي. (8) تفسير الشنقيطي. (9) تفسير أحمد حطيبة. (10) تفسير سيد قطب. (11) الموسوعة العربية العالمية. (12) Encyclopaedia Britannica 2008 Ultimate Reference Suite، (13) Encarta، (14) Wikipedia، (15 الانترنت.  
كلمات مفتاحية: مصير الشمس، وردة كالدهان، نهاية الكون، انشقاق السماء
اقرأ المزيد ...

إثبات من برمنغهام أن القرآن لم يحرف


تم مؤخراً اكتشاف أقدم نص من القرآن مخطوط على جلد ماعز يعود تاريخه لزمن النبي الكريم.. الاكتشاف يؤكد أن القرآن لم يحرف....

في كل يوم تظهر دلائل جديدة تؤكد أن القرآن الذي بين أيدنا اليوم هو ذاته الذي كُتب في عهد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.. وهذا يرد على كل من يدعي أن القرآن فيه إضافات وزيادات أتت لاحقاً أو فيه نقص..
الدليل الجديد يأتي من جامعة برمنغهام University of Birmingham  في بريطانيا، حيث قام العلماء بتحليل قطعة من مخطوطة كتب عليها القرآن برسم عثماني جميل.. وتبين أنها تعود لزمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذه المخطوطة النادرة موجودة في مكتبة الجامعة منذ قرن تقريباً ولم يدرك العلماء أهميتها إلا اليوم عندما قاموا بتحليلها ويقول الباحثون في هذه الجامعة إن هذه المخطوطة قد كُتبت في عهد النبي الكريم.
 ويؤكد الباحثون أن هذه المخطوطة هي أقدم نص قرآني يتم العثور عليه حتى الآن.
يقول البروفسور David Thomas أستاذ اللاهوت في جامعة برمنغهام: إنني منصدم ومندهش جداً أن نجد جزءاً من مخطوطة للقرآن (تتألف من صفحتين) كتبت قبل أكثر من 1370 سنة ميلادية على الأقل ( وهذا يعادل 1411 سنة هجرية). إن هذه المخطوطة تؤكد أن القرآن كتب في زمن النبي وليس كما كنا نعتقد أنه تم تجميعه والإضافة عليه بعد وفاة النبي الكريم.
لقد استخدم الخبراء معجل جامعة أكسفورد الإشعاعي Oxford Radiocarbon Accelerator Unit والذي يحلل عمر المخطوطات بواسطة الكربون المشع.. وتبين أن المخطوطة قد كتبت في الفترة 568-645 ميلادية، مع العلم أن فترة نبوة النبي كانت من 610-632 ميلادية.. وهذا يعني أن المخطوط قد كتبه شخص عاصر النبي وعاش معه.
 
جزء من المخطوط الذي تم تحليله بالطريقة الإشعاعية وتبين أنه يعود لزمن النبي الكريم.. لقد كتبت سورة أول سورة طه بخط جميل: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) [طه: 1-13].
في نهاية السنة الماضية (2014) قام العلماء بتحليل مخطوطة أخرى في جامعة Tübingen University بألمانيا باستخدام الكربون المشع Radiocarbon وبعد تحليل جلد الماعز الذي كتب عليه النص القرآني تبين أن المخطوطة كتبت بعد وفاة النبي الكريم بسنوات قليلة (ربما زمن عثمان رضي الله عنه) أي من سنة 649-675 ميلادية.. إن هذه المخطوطات تأتي يوماً بعد يوم لتثبت لكل من في قلبه شك من هذا القرآن، أن الله قد حفظه من التحريف.. فالحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل

المراجع:  
http://www.nytimes.com/2015/07/23/world/europe/quran-fragments-university-birmingham.html?_r=1
 

مخطوطة بألمانيا تثبت أن القرآن لم يحرّف!‏

لقد تم فحص مخطوطة للقرآن تعود لزمن سيدنا عثمان رضي الله عنه، وتبين أنها مطابقة بنسبة 100 % للمصحف الذي بين أيدينا اليوم....

اقرأ المزيد ...

تمدد الكون


صورة توضيحية باستخدام البالون تمثل تمدد الكون وابتعاد المجرات عن بعضها البعض
د. حامد الحامد
دكتوراه هندسة الفضاء وباحث متخصص في تفسير القرآن
hamidh_53@yahoo.com
أحدث الاكتشاف الرهيب الذي توصل إليه العالم الفلكي الأمريكي أدوين هابل عام 1929م إلى إحداث تغيير كبيرفي علوم الفضاء. وبسبب هذا الاكتشاف سمي منظار ناسا الشهير فيما بعد باسم (هابل) نسبة إلى هذا العالم.
فبينما كان أدوين هابل يراقب النجوم بمنظاره... اكتشف أن لون الطيف الصادر من هذا النجم يتحول إلى اللون الأحمر ومعنى هذا حسب نظريات علم الفيزياء الفلكية astrophysics أنه عندما ينقلب لون الطيف الصادر من جسم سماوي (سوبر نوفا) إلى الأشعة الحمراء... فإن هذا يعني أن النجم يبتعد عن الأرض وأما إذا كان هذا النجم يقترب من الأرض فإن الطيف يظهر اللون الأزرق وكان هذا أول اكتشاف لهابل من ناحية حركة النجوم .
وتابع هابل أبحاثة، فاكتشف أن النجوم لا تبتعد عن الأرض فحسب، بل يبتعد بعضها عن بعض .. بما يشبه البالون عند نفخه، أي أنك إذا رسمت نقاطا على البالون ثم نفخته تجد ان النقاط المنتشرة على سطح تبتعد بعضها عن بعض بما يجعلنا نتصور أن الكون كله يشبه ذلك البالون... وهذا يدل على أن هذا الكون في تمدد دائم كل ثانية...
توصل أدوين هابل بعد ذلك إلى أن الكون يتمدد باستمرار وبسرعة متزايدة. واكتشف أيضاً أن المجرات التي ولدت تبتعد عن مركز الانفجار الأول وكذلك تبتعد عن بعضها البعض. هذا الاكتشاف دفع ببعض العلماء الفلكيين الآخرين إلى التساؤل حينذاك حول صحة هذا الاكتشاف وظن معظمهم بأن هابل قد أخطأ. فالفكرة كلها بدت صعبة التصديق لأن ذلك يستوجب الكثير من التغيير في طريقة التفكير التي كان يتبعها العلماء في نشأة الكون وأن الكون ثابت.
وليس هذا فحسب بل إن الكون يتمدد بسرعة تزيد باطراد... على عكس ما كان يتوقع علماء الفيزياء المتأثرين بقوانين الجاذبية.. إلى أن اقتنعوا بوجود مادة سوداء في الكون لا يرونها وأنها هي السبب وراء تزايد سرعة التمدد...
فهل أخبر القرآن عن ذلك؟
نعم، لقد أخبر القرآن ذلك... اقرأ في سورة الذاريات هذه الآية الكريمة، يقول الحق تبارك وتعالى:
{وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (سورة الذاريات:47)
"And the heaven we constructed with strength and indeed we are its expanders"
إن كلمة موسعون تعني الاستمرارية أي أنها دليل على أن الكون مستمر في التمدد. في حين أن العلماء ما زالوا أمام ثلاث نظريات إحداها تقول بأن كثافة المادة (الكتلة/ الطاقة) في الكون أقل من القيمة الحرجة وبالتالي فإن المجرات افتكت من قوة الجاذبية مما يعني أن الكون سيتمدد إلى ما لا نهاية. فما هي هذه القيمة الحرجة للكثافة؟ إنها تساوي 10 مرفوع للقوة (-29 ) جرام / سم مكعب أي ما يساوي خمس ذرات هيدروجين في المتر المكعب. وهذا يعد قليلا بالنسبة لكثافة الماء التي تساوي 500 بليون بليون بليون ذرة هيدروجين في المتر المكعب.
وأما النظرية الثانية فتقول إن كثافة المادة في الكون تساوي القيمة الحرجة وفي هذه الحالة فإن الكون يتمدد بفعل الانفجار الكوني الأول إلا أنه سيتباطأ إلى أن يصبح معدل التمدد صفرا وهذه تسمى نظرية الكون المسطح.
والنظرية الثالثة فتقول إن كثافة المادة في الكون هي أكبر من الكثافة الحرجة وبالتالي فإن قوة الجاذبية ستتغلب وسيبدأ الكون بالانكماش إلى أن يحصل الانكماش الأول أو ما يمكن التعبير عنه بلغة القرآن بالرتق بعد الفتق.
غيّر قانون تمدد الكون الذي اكتشفه أدوين هابل الطريقة التي كان علماء الفلك والفيزيائيون يفكرون بها، حيث كان الجميع ينظر إلى الكون أنه ساكن بما فيهم أينشتين، الأمر الذي دعاه إلى وضع ثابت التثاقل( عجلة التثاقل) في قانون النسبية العام كاحتياط أن يظهر شيء جديد يغير هذا القانون. وبعد اكتشاف هابل أن الكون يتمدد الكون، كان لابد لأينشتين أن يمحو ثابت التثاقل من قانونه، وقال في هذا الشأن أن "هذه أول مرة أندم فيها على خطأ كبير". 
ومن منطلق أن الكون يتمدد... فإنه قابل للانكماش لأن أي شيء قابل للتمدد.. هو قابل للانكماش.. مما يدعونا، من حيث الحساب الكمي(Quantum Mech.) ، أن نعتقد أن الكون كان يوما حجمه مساو للصفر. ومن نفس القانون الكمي لابد وأن تكون طاقتها تساوي اللانهائية.

وحين نعلم أن حجم هذا الكون بدأ من الصفر ، فلابد وأن يكون قد جاء من العدم....!
إذن، لابد وأن يكون هناك خالق لهذا الكون أوجده من العدم..! ويقول تعالى في هذا كله : (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) ( الأنبياء: 104)
وتقول نظرية أينشتين... أن انفجارا حدث لهذه النقطة المتناهية في الصغر نتيجة وجود تلك الطاقة اللانهائية .. يسمي بالانفجار الكوني الأول. Big Bang وسميت هذه النظرية بنفس المسمى (نظرية الانفجار الكوني الأول...Big Bang Theorem..
ومن هذا يسطع تفسير جديد ليفسر سورة الفجر يظهر العلم الحديث ليجدد القرآن ضوءه على العقل البشري المعاصر... بما يواكب خلود هذا القرآن... وهذا ما سنتكلم عنه.. في المقالات المقبلة أن شاء الله. 
ولكن هل يمكن أن يكون القرآن قد تكلم عن هذا الحدث العجيب...؟ 
نعم.. تعالوا معي إلى الآية الكريمة رقم..(30) من سورة الأنبياء 
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (سورة الأنبياء:30)

Have not these who disbelieved seen that the heavens and the earth are joined entity before we clove them asunder and we made from water every living thing..? will they not then believe… 
 

 
رسم يوضح الانفجار الكوني الأول
والمتأمل في الآية الكريمة يجد أن ما يراه الإنسان انفجارا عظيما هو بالنسبة لله تعالى فتقا لرتق ... سبحان الله...وهناك عدة أدلة دامغة تؤيد نظرية الانفجار الكوني العظيم وتجعلها حقيقة كائنة وهي :
الدليل الأولأثبت العلماء بما لا يدع مجالا للشك أن الكون آخذ في الاتساع عن طريق ما يعرف بالإزاحة الحمراء (Red Shift) لأطياف المجرات. وأن سرعة ارتداد المجرات يزداد كلما بعدت عنا، حتى أن سرعة أشباه المجرات "الكوازرات" تبلغ سرعة ارتدادها حوالي تسعة أعشار سرعة الضوء.. أي قرابة 270.000 كيلو متر في الثانية الواحدة. وإذا كان إثبات أن الكون يتسع يُعد أعظم كشف في القرن العشرين، فإن سبب الاتساع مازال يحير العلماء مع أن الأمر هين إذا اندرج تحت قدرة الله الذى يقول: ((وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)) (الذاريات:47). وبما أن الكون يتسع باستمرار منذ نشأته وحتى الآن فلابد أنه كان في بدايته مضموما؛ أي رتقا. 
الدليل الثاني
الإشعاع الكوني الميكرويفي (Cosmic background Radiation)الذي تم رصده. وهذا الإشعاع مصدره الانفجار العظيم. إنها بقايا أصلية تمثل عينة من الانفجار الكوني الأول.
صورة لخلفية الإشعاع الكوني كما تم تصويرها
وأخيرا، يقول تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) (فصلت:53).
لقد وعد الحق تبارك وتعالى أن يري الإنسان.. في حال المستقبل آياته ومعجزاته في هذه الكون (الآفاق)، وكذلك في نفسه لأن قوته العظمى تكمن في هذين: آفاق الكون، والنفس البشرية.
لقد وعد الله عبده أن يريه ما كان قد أخفاه عنه في الأيام الخالية.. الذي كان قد بلغ من البعد ما كاد به أن يخفي.. وما كان القرب ما كاد الا يري.
وإن هذه الآيات الإعجازية.. في الآفاق.. قد كانت كائنة، منذ بداية الكون والخلق، أي منذ الانفجار الكوني الأول(Big Bang) ولكنها أغشيت عن أبصارنا.. حتى جاء وقت الاكتشافات العلمية.. فواكب ظهور ووضوح الآية القرآنية الإعجازية مع اكتشاف الآية الكونية.. وذلك حين ظهر التلسكوب في عام 1609م.. وبهذا أرانا الله بوعده الحق الذي كان خفي علينا رؤياه.. فيما مضى.. وهذه التي أشار الحق اليها بكلمة"في الآفاق".
 
كلمات مفتاحية: تمدد الكون
اقرأ المزيد ...

الأقمار الصناعية تكشف عن مجمع البحرين المذكور بالقرآن بسيناء

الأقمار الصناعية تكشف عن مجمع البحرين المذكور بالقرآن بسيناء

قال الله تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا } (سورة الكهف 60 - 61)
أكد الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بسيناء أن مجمع البحرين يقع بمنطقة رأس محمد بشرم الشيخ عند نقطة التقاء خليج العقبة وخليج السويس بجنوب سيناء. مستنداً للدراسة العلمية للأثري عماد مهدي عضو جمعية الأثريين المصريين والمسح التصويرى الفضائى باستخدام تقنية تصوير الأقمار الصناعية التى حددت موقع لقاء نبي الله موسى والخضر عليهما السلام على أرض سيناء منذ حوالى 3200 سنة تقريباً. وأن التوصيف اللغوي لكلمة مجمع البحرين لا ينطبق جغرافياً على أي مكان فى العالم إلا فى رأس محمد، وهي مجمع خليجي العقبة والسويس في بحر واحد هو البحر الأحمر، ولفظ مجمع يختلف عن لفظ التقاء.
ويضيف الدكتور ريحان بأن الأقمار الصناعية كشفت عن موقع صخرة الحوت نقطة اللقاء بين نبي الله موسى والرجل الصالح الخضر، وهي الصخرة الوحيدة التى تتوسط طريق الدخول لرأس محمد
، وتقع في خط مستقيم في طريق الوصول لأخر نقطة فى اليابسة في موقع مجمع البحرين، وكما هو موضح بالخريطة فإن المسافة المرجحة التي قطعها الحوت من الصخرة حتى المياه العميقة تبلغ حوالى 2كم، والمسافة التى قطعها نبى الله موسى من نفس الصخرة حتى نقطة الارتداد واكتشاف فقدان الحوت توازي نفس المسافة 2كم، ويشير الدكتور ريحان لكشف الممر المائي للحوت الذي حدد القرآن الكريم الطريق والطريقة التي أتخذها الحوت مرتين: مرة في قوله تعالى { فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا } (سورة الكهف 61) ومرة { وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا } (سورة الكهف 63) وفي الآيتين جاء الذكر والتأكيد على اتخاذ الحوت سبيلا للخروج من المياه الضحلة إلى المياه العميقة باتخاذ السبيل وتعني الطريق.
وقد وصف القرآن معجزة شق الطريق إلى البحر وعودة الحياة للحوت والمعروف بمنطقة الخليج الخفي بجنوب رأس محمد وهذا يفسّر وجود مجرى مائي دائم فى منطقة الخليج الخفي برأس محمد. ويضيف الدكتور ريحان أن الأقمار الصناعية كشفت عن الرصيف البحري التى رست عليه سفينة العبد الصالح الخضر، وهو الشاهد الأثري على تأكيد موقع مجمع البحرين برأس محمد
، ومنه تم تحديد خط سير السفينة إلى رأس محمد، وتحديد وجهتها ويقع هذا الرصيف على بعد 300م من صخرة اللقاء، ويجتاز هذا الرصيف الجدار المرجاني على الشاطئ لمسافة 50م حتى الغاطس وعرضه من 6 إلى 8م، ويتكون من صخور جرانيت وحجر رملي منقول،ويتوسط الرصيف البحري القديم شاطئ الميناء على الساحل الغربي لرأس محمد، والمطل على خليج السويس على شكل نصف دائرة مساحتها حوالي كيلو متر واحد، وعن خط سير سفينة الخضر يوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان أن أحداث التاريخ تؤكد أن السفينة كانت قادمة من خليج السويس وفي طريقها لخليج العقبة، وذلك لوقوع خليج السويس تحت سيادة مصر القديمة الدولة ذات النفوذ الكبير بالمنطقة. والتاريخ المصري لم يسجل أي أعمال قرصنة في البحار بينما يختلف الوضع فى خليج العقبة والبحر الأحمر، وقد كانت منطقة مهددة بأعمال القرصنة البحرية لوجود دويلات صغيرة على جانبيها مثل حضارات سبأ وحمير فى اليمن والثموديين واللحيانيين فى شمال الجزيرة، وقد سجل التاريخ فى غضون العام 1200 قبل الميلاد حدوث إضرابات في منطقة الشرق الأدنى القديم بسبب هجرات الشعوب الهندو أوربية، كما أن البحر الأحمر عرف منذ أقدم العصور كأحد طرق التجارة القديمة، وقد سجلت الآثار المصرية سفن لم تكن معروفة في وادي النيل، وقد وفدت إلى مصر شعوب فى هذه السفن ووصلوا من الجنوب ومن الشرق واتخذوا طريق ( القصير- قفط ) في رحلاتهم،وقد سجلوا رسوما لسفنهم على صخور بعض دروب الصحراء الشرقية.

 

 

المصدر :

كلمات مفتاحية: مجمع البحرين، موسى والخضر.
اقرأ المزيد ...

﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ ﴾ [الأنبياء: 89]

﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ ﴾ [الأنبياء: 89]

هذه الية القرنية الكريمة جاءت في خواتيم سورة الأنبياء وهي سورة مكية‏,‏ وياتها اثنتا عشرة ومائة‏(112)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لاستعراضها سير عدد من أنبياء الله ورسله‏.‏ 
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية‏,‏ شأنها في ذلك شأن كل السور المكية‏.‏
هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة الأنبياء‏,‏ وما جاء فيها من أسس العقيدة‏,‏ والإشارات الكونية‏,‏ ونركز هنا على أوجه الإعجاز التاريخي‏,‏ والتربوي‏,‏ والعلمي في الية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال‏,‏ وفي غيرها من اليات القرنية التي أوردت ذكر نبي الله زكريا‏ (‏عليه السلام‏)‏ الذي بعث قبل تنزل القرن الكريم بأكثر من ستمائة سنة‏.‏
من أوجه الإعجاز التاريخي والتربوي والعلمي في ذكر القرن الكريم نبي الله زكريا‏:‏جاء ذكر نبي الله زكريا ـ عليه السلام ـ في القرن الكريم سبع‏ (7)‏ مرات‏,‏ وتشير الثار إلي أن نبي الله زكريا‏(Zechariah=Zacharias)‏ كان قد بعث في الفترة التي سبقت ميلاد المسيح عيسي ابن مريم ‏(عليهما السلام‏),‏ وكلاهما ينتهي نسبه إلى سليمان بن داود ‏(عليهما السلام‏),‏ وكانت بعثة زكريا ‏(عليه السلام‏)‏ في زمن قد ضاع فيه الدين‏,‏ وكثرت المعاصي‏,‏ واستحلت المحرمات‏,‏ وفشت المنكرات‏,‏ وسادت المظالم‏,‏ وفسدت المجتمعات فسادا عظيما‏,‏ فبعث الله ‏(تعالي‏)‏ زكريا نبيا إلى قومه يردهم إلى الدين الصحيح‏,‏ ويدعوهم إلى عبادة الله وحده‏,‏ وإلي الالتزام بأوامره‏,‏ واجتناب نواهيه‏.‏
وكان زكريا ‏(عليه السلام‏)‏ نجارا‏,‏ كما أخرج كل من الإمامين أحمد ومسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله ‏(صلى الله عليه وسلم‏),‏ ولما بلغ زكريا سن الزواج تزوج من شقيقة زوجة عمران‏,‏ الذي كان واحدا من علماء زمانه‏.‏ وعندما بعث زكريا بدأ في دعوة قومه إلي
 دين الله ‏(الإسلام‏),‏ فلم يستجب له منهم إلا أقل القليل‏,‏ وظل الحال كذلك حتى بلغ من الكبر عتيا‏.‏
وكان كل من النبي زكريا‏ (‏عليه السلام‏)‏ وعديله العالم الجليل عمران بلا ولد‏,‏ فتمنى كل منهما ومن زوجتيهما على الله‏ (‏تعالى‏)‏ الذرية الصالحة‏,‏ وألحوا على الله الوهاب بذلك حتى استجاب لدعاء كل منهم‏.‏
وكان أكثر الأختين إلحاحا على الله بالدعاء طلبا للذرية هي زوجة عمران فحملت أولا‏,‏ ونذرت ما في بطنها محررا لله‏ (‏تعالى‏)‏ أي تهبه خادما للمسجد الأقصى‏,‏ يعمره ويقوم على إصلاحه‏,‏ ويتفرغ للعبادة فيه‏,‏ ولكن لما جاءت ساعة الوضع فوجئت بأن المولود أنثي‏,‏ وعلى الرغم من إقرارها بأن الأنثى ليست كالذكر‏,‏ إلا أنها قررت أن تفي بنذرها لله‏,‏ ودعت الله‏ (‏تعالى‏)‏ أن يحفظ هذه الفتاة التي سمتها مريم‏,‏ ويحفظ ذريتها من الشيطان الرجيم‏,‏ واستجاب الله‏ (‏سبحانه وتعالي‏)‏ لدعائها فتقبل منها تلك المولودة بقبول حسن‏,‏ وشاءت إرادته أن يطهرها وأن يصطفيها على نساء العالمين‏,‏ وأن يجعل منها أما لنبي يجيء ميلاده بمعجزة لا تقل عن معجزة خلق دم من تراب‏, (‏بلا أب ولا أم‏)‏ فيجيء ميلاد عيسي ابن مريم‏ (‏عليهما السلام‏)‏ دون أن يمسسها بشر‏ (‏أي من أم بلا أب‏)‏ وهي البتول‏,‏ الطاهرة‏,‏ العابدة‏,‏ العفيفة‏.‏
وكان العالم الرباني عمران قد توفاه الله‏ (‏تعالى‏)‏ قبل ولادة ابنته مريم‏,‏ واختلف شيوخ القوم وعلماؤهم على من يكفل مريم‏,‏ واقترعوا على ذلك مرارا حتى فاز بهذا الشرف زوج خالتها نبي الله زكريا‏ (‏عليه السلام‏)‏ وفي ذلك يقول القرن الكريم‏:‏

ï´؟ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ
 مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِياًّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ * قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي يَةً قَالَ يَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ï´¾‏ (‏ل عمران‏:35‏ ـ‏41).‏
وخشي زكريا‏ (‏عليه السلام‏)‏ على قومه من ضياع الدين‏,‏ وخراب الذمم‏,‏ وتحلل المجتمع من جميع القيم‏,‏ ولم يكن له ولد يخلفه فيهم‏,‏ فدعا ربه أن يرزقه ولدا صالحا يحسن القيام بواجب وراثة خط النبوة‏,‏ ويحسن القيام عليه‏,‏ ويتابع دعوة أبيه من بعده‏,‏ وفي ذلك يقول القرن الكريم‏:‏
 
ï´؟ كـهيعص‌ * ذِكْرُ رَحْمةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً سَداًّ * قَالَ رَبِّ إِنِّي
 وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِياًّ * وَإِنِّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِن وَرَائِيوَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِياًّ * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ لِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِياًّ ï´¾‏ [‏ مريم‏:1‏ ـ‏6].‏
فاستجاب الله‏ (‏تعالى‏)‏ دعاء عبده زكريا‏,‏ وبشره بغلام اسمه‏ (‏يحيي‏)‏ لم يتسم باسمه أحد من قبل‏,‏ وفي ذلك يقول القرن الكريم‏:‏

ï´؟ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِياًّ * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ
 وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِياًّ * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ على هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً * قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي يَةً قَالَ يَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِياًّ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِياًّ ï´¾ ‏[‏ مريم‏:7‏ ـ‏11].‏
ويؤكد ربنا‏ (‏تبارك وتعالي‏)‏ في محكم كتابه وقوع تلك المعجزة فيقول‏:‏

ï´؟ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً
 وَأَنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونُ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ï´¾ ‏[‏ الأنبياء‏:89‏ ـ‏90]‏
ويمتدح ربنا‏ (‏تبارك وتعالى)‏ سلسلة الأنبياء التي جاء منها كل من عبده زكريا وولده يحيي‏ (‏عليهما السلام‏)‏ فيقول‏:‏

ï´؟ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا تَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ
 وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَوَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العَالَمِينَ * وَمِنْ بَائِهِمْوَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ï´¾ ‏[‏ الأنعام‏:83‏ ـ‏87].‏
ومن الدروس المستفادة من عرض القرن الكريم شيئا من سيرة نبي الله زكريا‏ (‏عليه السلام‏)‏ ما يلي‏:‏

‏1‏ ـ أن الدعاء هو العبادة‏,‏ وهو مقام العبودية الحقة لله‏ (‏تعالى‏)‏ وذلك لأن العبد كلما مرت به ضائقة ولجأ إلي ربه في ضراعة وخشوع جسد حقيقة العبودية لله‏,‏ ومن هنا كان أهلا لاستجابة الله‏ (‏سبحانه وتعالى‏)‏ لدعائه كما حدث في استجابة الله‏ (‏جلت قدرته‏)‏ لدعاء كل من عمران وزوجه‏,‏ وزكريا وزوجه‏ (‏عليهم من الله السلام‏).‏
‏2‏ ـ أن وراثة الدين ليست مجرد وراثة العرق والدم‏,‏ إنما هي وراثة الالتزام بمنهج الله‏,‏ والثبات عليه عن قناعة قلبية وعقلية كاملة‏,‏ وهي قناعة لابد أن يصدقها العمل الصالح‏,‏ وهداية الله البشر تتمثل فيما جاء به أنبياؤه ورسله‏,‏ وكل من يلتزم بهدي الله يهتدي‏,‏ وكل من يحيد عنه يضل ويزيغ‏,‏ فما أرسل الله‏ (‏تعالى‏)‏ أنبياءه ورسله إلا ليطاعوا‏,‏ وما أنزل رسالته إلا لتحكم بين الناس بالقسط‏,‏ وحتى ذرية الأنبياء إن لم يلتزموا بهدي الله فلن ينفعهم نسب العرق والدم شيئا‏.‏
‏3‏ ـ لابد من التسليم بأن الله‏ (‏تعالى‏)‏ هو الذي جعل العاقر لا تلد‏,‏ وجعل الشيخ الفاني لا ينسل‏,‏ وهو‏ (‏سبحانه وتعالى‏)‏ في الوقت نفسه قادر على إصلاح العاقر‏,‏ وعلى إزالة أسباب عقمها فيجعلها تلد‏,‏ وقادر على إصلاح الشيخ الفاني الذي انقطع نسله فيجعله ينسل‏,‏ وهو‏ (‏سبحانه‏)‏ على كل شيء قدير‏.‏
‏4‏ ـ الإيمان بطلاقة القدرة الإلهية التي لا تحدها حدود‏,‏ ولا يقف أمامها عائق‏,‏ واليقين بأن الله‏ (‏تعالى‏)‏ على كل شيء قدير‏,‏ وأن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون‏.‏
‏5‏ ـ اليقين بأن الوفاء بالنذر هو حق لله‏ (‏تعالى‏)‏ لا يجوز النكوص فيه ولا التراجع عنه‏.‏
‏6‏ ـ التأكيد على وحدة رسالة السماء المنبثقة من وحدانية الله‏ (‏تعالى‏)‏ والمؤكدة على الأخوة بين جميع أنبياء الله ورسله‏,‏ وعلى الأخوة بين جميع بني دم‏.‏
‏7‏ ـ أن الدنيا دار ابتلاء واختبار‏,‏ وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل كما قال رسول الله‏ (‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ فقد ابتلي زكريا بعدم الذرية حتى بلغ من العمر مبلغا كبيرا‏,‏ ثم بعد أن رزقه الله‏ (‏سبحانه‏)‏ الذرية‏,‏ ابتلي بقتل ابنه الوحيد يحيي في حياته‏,‏ ثم مات زكريا نفسه مقتولا‏,‏ دون ذنب ارتكبه‏.‏
من هذا الاستعراض للية القرنية التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال وللإشارات القرنية الكريمة لعدد من المواقف في حياة نبي الله زكريا‏ (‏عليه السلام‏)‏ يتضح لنا ملمح من ملامح الإعجاز التاريخي‏,‏ لأن هذا النبي الصالح عاش قبل تنزل القرن الكريم بأكثر من ستمائة سنة‏,‏ وأن العرب في الجاهلية لم يكونوا أمة تدوين‏,‏ ولأن صحف الأولين لا تحوي إلا الأساطير المشوهة لشخص هذا النبي الصالح‏,‏ والشهيد المبتلي‏,‏ والمجاهد الصابر في سبيل
 تبليغ دين الله وهدايته لقومه‏,‏ والذي قتل ابنه الوحيد ظلما في حياته‏,‏ ثم لحقه هو مقتولا ظلما كذلك‏.‏
وتتضح ملامح الإعجاز التربوي في الدروس المستفادة من سيرة نبي الله زكريا‏ (‏عليه السلام‏)‏ من القيم النبيلة المصاحبة لتلك السيرة العطرة‏,‏ وتتضح ملامح الإعجاز العلمي في الإشارة إلي إمكان إصلاح العقم‏,‏ وعلاج انقطاع النسل في زمن الشيخوخة وكبر السن‏,‏ وهي من القضايا التي لم تدركها المعارف المكتسبة إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏.‏
وهذا مما يوضح عددا من أوجه الإعجاز في الإشارات القرنية الكريمة إلي سيرة نبي الله زكريا‏ (‏عليه السلام‏)‏ التي تقطع بربانية القرن الكريم‏,‏ وبصدق نبوة الرسول الخاتم الذي تلقاه‏,‏ فالحمد لله على نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله على نعمة القرن‏,‏ والحمد لله على بعثة خير الأنام‏ (‏صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى له وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏)..‏ وخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

اقرأ المزيد ...
يتم التشغيل بواسطة Blogger.

فيديو


جميع الحقوق محفوظة لـلغة الحياة
تعريب وتطوير ( كن مدون ) Designed By