آخر الأخبار

يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِياًّ

هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل سورة مريم‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها ثمان وتسعون ‏(98)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم تكريما للسيدة مريم البتول التي أوردت السورة الكريمة معجزة حملها بابنها عيسي دون أن يمسها بشر‏(‏ من أم بلا أب‏)‏ ووضعها إياه طفلا يتكلم وهو في المهد‏.‏ 
ويدور المحور الرئيسي لسورة مريم حول قضية العقيدة الإسلامية‏,‏ شأنها في ذلك شأن كل السور المكية‏.‏
هذا وقد سبق لنا استعراض سورة مريم وما جاء فيها من ركائز العقيدة‏,‏ والإشارات العلمية‏,‏ ونركز هنا على أوجه الإعجاز التاريخي والتربوي والعلمي في الآية التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال وفي غيرها من الآيات القرآنية الكريمة التي أشارت إلي نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام‏,‏ وقد عاشا قبل تنزل القرآن الكريم بأكثر من ستمائة سنة‏.‏
من أوجه الإعجاز التاريخي والتربوي والعلمي في ذكر القرآن الكريم لنبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام‏:‏
جاء ذكر نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام في خمس من آيات القرآن الكريم يمكن تصنيفها على النحو التالي‏:‏

‏1‏ ـ منها ما جاء يبشر بميلاده‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى في محكم كتابه‏:‏ 
ï´؟ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصلى فِي المِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِياًّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ï´¾ ‏(‏ آل عمران‏:38‏ ـ‏39).‏
ï´؟ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِياًّ ï´¾ ‏(‏ مريم‏:7).‏
ï´؟ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً
 وَأَنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونُ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ï´¾ ‏(‏ الأنبياء‏:89‏ ـ‏90).‏2‏ ـ ومنها ما وضعه ضمن كوكبة الأنبياء المعروفين لنا‏,‏ وفي ذلك يقول رب العالمين‏:‏ ï´؟ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْوَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ï´¾ ‏(‏الأنعام‏:83‏ ـ‏87).‏‏3‏ ـ ومنها ما يؤكد منزلة نبي الله يحيى الذي فقهه الله في الدين‏,‏ وعلمه التأويل‏,‏ وفهمه أحكام رب العالمين‏,‏ وهو لا يزال في طور الصبا‏,‏ وأمره بأن يعمل بما جاء في التوراة بجد وعزم‏,‏ وطبعه على التواضع والزهد وسمو النفس‏,‏ وعلى تقوي الله تعالى في السر والعلن‏,‏ وعلى الاجتهاد في العبادة من أجل تزكية النفس‏,‏ وعلى الرفق بالمخلوقين والعطف عليهم‏,‏ والحنان لهم‏,‏ كما جعله الله تعالى كثير البر بوالديه‏,‏ وكثير الإحسان إليهما‏,‏ ولم يجعله متجبرا على الخلق‏,‏ ولا عاصيا للخالق في شيء‏,‏ لذلك جعل الله تعالى له سلاما وأمنا وحفظا من الأذى لحظة ولادته‏,‏ ويوم وفاته‏,‏ ويوم بعثه حيا‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى في محكم كتابه‏:‏ ï´؟ وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِياًّ * وَبَراًّ بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِياًّ * وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وَلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياًّ ï´¾ ‏(‏ مريم‏:13‏ ـ‏15).‏ويقول المصطفي صلى الله عليه وسلم عن العبد الصالح‏,‏والفتي العابد يحيى بن زكريا عليهما السلام ما يرويه عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما بالنص التالي‏:‏ ما من أحد يلقي الله عز وجل إلا وقد هم بخطيئة أو عملها إلا يحيى بن زكريا فإنه لم يهم ولم يعمل‏.‏
وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ من هوان الدنيا على الله أن يحيى بن زكريا قتلته امرأة‏.‏
وعن أبي هريرة قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ كل ابن آدم يلقي الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه‏,‏ إلا يحيى بن زكريا فإنه كان سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين‏,‏ ثم أومأ النبي إلي قذاة من الأرض فأخذها وقال‏:‏ وكان ذكره مثل هذه القذاة‏.‏

وتعددت الروايات عن استشهاد يحيى بن زكريا‏,‏ لكن الثابت أنه قتل دفاعا عن دين الله الحق‏,‏ وما يدعو إليه من التزام بمكارم الأخلاق‏.‏
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج على أصحابه يوما فوجدهم يتذاكرون فضل الأنبياء‏,‏ قال قائل‏:‏ موسي كليم الله‏,‏ وقال قائل‏:‏ عيسى روح الله وكلمته‏,‏ وقال قائل‏:‏ إبراهيم خليل الله‏,‏ ومضيى الصحابة يتحدثون عن الأنبياء‏,‏ فتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام حين رآهم لا يذكرون يحيى قائلا‏:‏ أين الشهيد ابن الشهيد؟ يلبس الوبر‏,‏ ويأكل الشجر مخافة الذنب‏,‏ أين يحيى بن زكريا؟‏.‏
الدروس المستفادة من عرض القرآن الكريم لقصة نبي الله يحيى بن زكريا‏.‏
من الدروس المستفادة من الإشارات القرآنية الكريمة إلي بعض الأحداث في سيرة نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام ما يلي‏:‏
‏1‏ ـ إن الله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء‏,‏ ومن هنا كان التقرب إلي الله بالدعاء هو مفتاح كل خير‏.‏
‏2‏ ـ إن الاستقامة على أوامر الله هي طوق النجاة للعبد في الدنيا والآخرة‏.‏
‏3‏ ـ إن الهدف من عبادة الله سبحانه وتعالى هو تربية النفس الإنسانية وإشعارها بمراقبة الله‏,‏ وتأكيد حقيقة عبودية العبد لله الخالق البارئ المصور‏,‏ وحقيقة ألوهية الله وربوبيته ووحدانيته المطلقة فوق جميع خلقه في قلب وعقل الإنسان العابد‏,‏ وهذا من أعظم وسائل التربية للإنسان‏,‏ ومن أيسر العوامل الفاعلة في ضبط سلوكه وسط معركة صراعه مع الشيطان‏,‏ والتضارب بين أهل الحق وأهل الباطل على طول الزمان‏.‏
‏4‏ ـ إن تقوي الله وحسن الخلق والعمل الدءوب على تزكية النفس‏,‏ وحب الخلق‏,‏ والحنان لهم‏,‏ والعطف عليهم هي من أعظم القربات إلي الله‏,‏ ومن مفاتيح القلوب عند المخلوقين‏.‏
‏5‏ ـ إن الثبات على الحق والتمسك به والاستعداد للتضحية من أجله هو من منازل الشهادة في سبيل الله‏,‏ فقد أهدر دم نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام بسبب كلمة حق قالها في
 بلاط ملك فاجر‏,‏ فاسق‏,‏ ظالم يقال إن اسمه هيرود‏,‏ وبقي ذلك الموقف النبيل من نبي الله يحيى بن زكريا مثلا يحتذي لأهل العلم والدين والالتزام إلي آخر الزمان‏.‏
وهذه الإشارات القرآنية الكونية إلي نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام‏,‏ والدروس المستفادة منها‏,‏ تمثل وجها من أوجه الإعجاز التاريخي والتربوي والعلمي في كتاب الله‏.‏
ووجه الإعجاز التاريخي يتجسد في صدق الإشارات القرآنية والنبوية عن هذا النبي الصالح‏,‏ فعلى الرغم من التشابه بين ما جاء في القرآن الكريم وما أوردته بعض كتب الأولين عن نبي الله يحيى بن زكريا أو يوحنا المعمدان‏,‏ فإن الفرق بين كلام الله وروايات البشر هو أوضح من
 الشمس في رابعة النهار‏.‏
وأما الإعجاز التربوي فيتمثل في النقاط الخمس التي أوجزتها آنفا تحت عنوان الدروس المستفادة من عرض القرآن الكريم لقصة نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام‏,‏ وأما الإعجاز العلمي فيتجسد في إنجاب طفل من أبوين طاعنين في السن مصابين بالعقم‏,‏ يائسين من إمكان النسل مما فتح الباب أمام الأطباء بإمكان علاج تلك الحالات‏,‏ وإن كانت المعجزات خوارق للسنن لا يقوي عليها إلا رب العالمين‏.‏
وواضح الأمر أن ذكر القرآن الكريم لنبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام يشهد بأن هذا الكتاب العزيز لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو بيان الله الخالق الذي أنزله بعلمه على
 خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه على ذاته العلية‏,‏ في نفس لغة وحيه‏ (‏اللغة العربية‏)‏ وحفظه على مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد‏,‏ وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتى يبقي القرآن الكريم شاهدا على الخلق أجمعين إلي يوم الدين بأنه كلام رب العالمين‏,‏ وشاهدا للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏.‏
فالحمد لله على نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله على نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله على بعثة خير الأنام صلى الله عليه وسلم‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏


اقرأ المزيد ...

﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ ﴾‏(‏ الأنعام‏:75)

 ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ ﴾‏(‏ الأنعام‏:75)
هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في خواتيم النصف الأول من سورة الأنعام‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها مائة وخمس وستون‏165‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي الأنعام في أكثر من موضع‏,‏ ومن خصائصها أنها أنزلت كاملة دفعة واحدة‏,‏ وأنها خامس أطول سور القرآن الكريم‏.‏ ويدور المحور الرئيسي للسورة حول عدد من العقائد والتشريعات الإسلامية‏.‏هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة الأنعام‏,‏ وما جاء فيها من ركائز العقيدة‏,‏ والتشريع‏,‏ وما تخللها من قصص وإشارات كونية‏,‏ ونركز هنا علي وجهي الإعجاز العلمي والتاريخي في الآية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال‏.‏أولا‏:‏ من أوجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة‏:‏توجه هذه الآية الكريمة أنظار قارئيها إلي حقيقة أن الكون الذي نحيا في جزء ضئيل منه هو كون شاسع الاتساع‏,‏ دقيق البناء‏,‏ منضبط الحركات‏,‏ محكم إحكاما مبهرا في كل جزئية من جزئياته‏,‏ وفي كل أمر من أموره‏.‏ وكون هذه صفاته لا يمكن أن يكون قد أوجد ذاته بنفسه‏,‏ ولا يمكن أن يكون نتاج العشوائية أو الصدفة‏,‏ بل لابد له من موحد عظيم له من صفات الألوهية والربوبية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ ومن طلاقة القدرة‏,‏ وشمول العلم‏,‏ وتمام الحكمة ما يتجلي في كل صغيرة وكبيرة من أجزاء هذا الكون‏.‏فكوننا مبني من نفس اللبنات وعلي نفس النظام‏:‏ من الذرة إلي المجموعة الشمسية إلي المجرة‏,‏ وإلي الكون كله مما يشهد لخالقه بالوحدانية المطلقة بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏.‏وكل شيء في هذا الكون مبني في زوجية واضحة من اللبنات الأولية للمادة إلي الإنسان حتى يشهد لخالقه ـ تعالي ـ بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة ولا ولد‏.‏فهناك المادة وضدها (‏(Matterand Antimatter‏ وهناك الطاقة الموجبة والسالبة علي مختلف أشكالها(‏(Positive and negativeenergy‏ وهناك الذكر والأنثى في جميع المخلوقات من النبات والحيوان والإنسان‏.‏وهذه الزوجية السائدة في جميع المخلوقات تشهد لخالقها بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ كما تشهد لجلاله بالتنزيه الكامل عن جميع صفات خلقه‏,‏ لأنه ـ سبحانه وتعالي ـ هو خالق الكون كله فلابد وأن يكون فوق الكون بجميع مكوناته‏,‏ وهو ـ تعالي ـ خالق كل من المكان والزمان فلا يحده أي منهما‏,‏ لأن المخلوق لا يحد خالقه أبدا‏,‏ وهو ـ جل جلاله ـ فوق كل من المادة والطاقة لأنه هو مبدعهما‏,‏ والمخلوق لا يشكل خالقه أبدا‏.‏وعلماء الفلك المعاصرون يقررون بأن كوننا الشاسع الاتساع‏,‏ الدقيق البناء‏,‏ المنضبط الحركات‏,‏ المحكم في الجزئيات والكليات‏,‏ لابد له من مرجعية في خارجه‏(AREFERENCEPOINT),‏ وهذه المرجعية العليا لابد وأن تكون مغايرة للكون بكل ما فيه ومن فيه مغايرة كاملة‏,‏ فلا يحدها أي من أبعاد المكان أو الزمان‏,‏ ولا يشكلها أي من صور المادة أو الطاقة‏,‏ وكأنهم ينطقون بالحق الذي أنزله ربنا ـ تبارك وتعالي ـ عن ذاته العلية بقوله العزيز‏: ï´؟ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ï´¾ ( الشوري‏:11).‏من هنا فإن في قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏ ï´؟ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ ï´¾‏(‏ الأنعام‏:75)‏.يتضح لنا وجه من أوجه الإعجاز العلمي في كتاب الله يتلخص في ضرورة تعرف الإنسان علي الكون حتى يري فيه جانبا من جوانب عظمة خالقه‏,‏ ووجها من أوجه القدرة الإلهية المبدعة في الخلق‏,‏ ويري فيه ضآلة وجود الإنسان أمام هذا الكون المتناهي في اتساعه‏,‏ الدائب في حركته‏,‏ والمنطلق في جريه إلي نهاية لا يعلمها إلا مبدع الكون وخالق الكائنات‏.‏كذلك يري الإنسان في الكون حاجة كل الكائنات‏,‏ وحاجة الكون كله إلي رعاية خالقه في كل لحظة من لحظات وجوده‏,‏ وفي كل آن من آناء عمره‏.‏ويري الإنسان في استقرار قوانين الكون‏,‏ وسيلة من وسائل تعرفه عليها‏,‏ وهي من سنن الله الحاكمة لكل كائن‏,‏ ومن ثم الانطلاق بتوظيف تلك السنن في القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها‏,‏ وإقامة شرع الله فيها‏,‏ ولذلك نجد القرآن الكريم في عشرات من آياته يحض الناس حضا علي إمعان النظر في الكون‏,‏ ودراسته‏,‏ والتفكير في بديع صنعه بأسلوب علمي منهجي سليم‏,‏ والتأكيد علي أن ذلك من أيسر وسائل تعرف الإنسان علي خالقه‏,‏ وإدراك جانب من جوانب طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في كل أمر من أمور الكون والكائنات فيه‏,‏ فيسجد الإنسان للخالق البارئ المصور سجود العارف بربه‏,‏ ويؤمن به إيمان من يراه في بديع صنعه في خلقه‏,‏ وهذا الإيمان الفطري الذي مر به نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ من خلال تأمله في الكون من قبل أن يأتيه وحي السماء هو رسالة هذه الآية القرآنية الكريمة لكل قارئ أو سامع لها‏,‏ وذلك لأن الإنسان في الإسلام مخلوق مكرم‏,‏ خلقه الله ـ تعالي ـ بقدرته‏,‏ ونفخ فيه من روحه‏,‏ وعلمه من علمه‏,‏ وفضله علي كثير من خلقه‏,‏ لأن الإنسان هو المخلوق المتميز بالعقل‏,‏ وبالقدرة علي التفكير والبيان‏,‏ وعلي اكتساب المعارف والمهارات وتعليمها لغيره‏,‏ ومن ثم فهو المخلوق العاقل‏,‏ المكلف‏,‏ المسئول عن جميع تصرفاته‏,‏ ومن قبيل الشكر علي هذه النعم استخدامها في التعرف علي خالقه من خلال تأمل بديع صنع هذا الخالق العظيم في خلقه‏.‏ويؤكد القرآن الكريم ضرورة التعرف علي الكون من أجل التعرف علي حتمية وجود خالق عظيم‏,‏ عليم‏,‏ حكيم له من صفات الكمال‏,‏ والجمال‏,‏ والجلال‏,‏ ما أضفي من بديع خلقه ومن هنا كان الدرس الذي يجب أن يستقي من تعرف نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ علي ربه من خلال تأمله في الكون‏,‏ من قبل أن يأتيه الوحي‏,‏ وفي ذلك يقول الحق ـ تبارك وتعالي ـ وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين‏,‏ فلما جن عليه الليل رأي كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين‏,‏ فلما رأي القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين‏,‏ فلما رأي الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون‏,‏ إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين‏,‏ وحاجه قومه قال اتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون‏,‏ وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون‏,‏ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم‏..‏ وهذا هو الدرس المستفاد من أحد المواقفالمهمة في سيرة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ والذي لم يرد له ذكر في كتب الأولين علي أهميته‏.‏ثانيا‏:‏ من أوجه الإعجاز التاريخي في الآية الكريمة‏:‏عاش نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ في حدود الألفية الثانية قبل الميلاد‏1861‏ ـ‏1686‏ ق‏.‏م وبعث خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ في حدود سنة‏610‏ م‏,‏ أي أن بين هذين النبيين الصالحين أكثر من ألفي عام‏,‏ وعلي الرغم من ذلك فقد سجل القرآن الكريم أكثر من عشرين موقفا بارزا في حياة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام‏,‏ ولم يكن العرب في زمن الجاهلية أهل علم وتوثيق وتدوين‏,‏ علي الرغم من وجود آثار عديدة لنبي الله إبراهيم وابنه النبي إسماعيل ـ عليهما السلام ـ في الحرم المكي‏,‏ ومن هنا فإن إيراد القرآن الكريم للعديد من الأحداث والمواقف الكبرى في حياة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ ومنها تأمله في ملكوت السماوات والأرض‏,‏ وحواره مع كل من أبيه وقومه‏,‏ وتحطيمه للأصنام‏,‏ ومحاولة حرقه في النار ونجاته منها بإذن الله‏,‏ ومحاورته للنمرود‏,‏ والأمر بذبح ابنه إسماعيل وفداء الله ـ تعالي ـ له بذبح سمين‏,‏ مما يعتبر جانبا من جوانب الإعجاز التاريخي في القرآن الكريم يشهد لهذا الكتاب العزيز بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذات علية‏,‏ في نفس لغة وحيه اللغة العربية‏,‏ وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتى يبقي القرآن الكريم شاهدا علي الخلق أجمعين إلي يوم الدين‏,‏ وحجة الله البالغة علي جميع خلقه‏,‏ التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها‏.‏
فالحمد لله علي نعمة الإسلام والحمد الله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة خير الأنام‏..‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏ موقع فضيلةالدكتور زغلول النجار

اقرأ المزيد ...
يتم التشغيل بواسطة Blogger.

فيديو


جميع الحقوق محفوظة لـلغة الحياة
تعريب وتطوير ( كن مدون ) Designed By